-**- وطــنـي وكـــهــــف الـــــقـــرف-**-

.. دون أن يغسل وجهه، لبس حذائه الطويل ومعطفه الثقيل..إمتطى دراجته المهترئة متجهاً إلى السوق الذي علمه ما الجراح وما الفقر،تصفعه وحشية الرياح دون أن تسمعه صوت الصفعة ،،صقيع وبردُ شتاءٍ يختبئان في ظلام حالك ، يثقبان جسده طيلة الطريق بلا شفقة..لا يَـشْتُم نواميس القّهار أبداً، يحترمها وكذلك قدره،صبره كصبر أيوب، لا يشكي عجزه لأحد..يناجي ربَّ العباد كل ليلة كما البشر آجمعين، في النهار لا يستغفر الله ولا يُكبر، لا يقرأ أذكار الصباح ولا المعوذتين، كل ما ستسمعه منه،  بلادي و إن جارت علي عزيزة.. يرددها وهو يحمل صناديق الخضر والفواكه ،يرددها وهو يرتب ما حمله فوق كتفيه ،يفكر تارة ويسحب تفكيره تارة آخرى، يعلم أنه حمالٌ مثل الحمير، لكنه يستأنس بمقولته السرمدية ،بلادي و إن جارت عليّ عزيزة، ينتقل من شاحنة لآخرى لعله يهزم اليأس والتدمر... يداعب سيجارة القرف الرخيصة هارباً من ساحة الغم نحو كهف البرد و الهم
رشيد شخصٌ لم يتذوق طُعمَ الضحكات من أيام الجامعة ،كانت تجيئه تلقائياً في لحظات الشَّفق، حالاً لا يعرف الشفق، ينام قبل غروب الشمس ويستفيق في غلس الليل.أقسم يوم عطلته أن يسهر النهار ويدري ما هو غروب الشمس وما هي الإبتسامة،  بين لحظة التمني وحرارة الشوق ،ينتظر  رشيد موعد الإبتسامة، الشمس تغيب، الحمرة تملاء الأفق، تستمرحتى العشاء ،المسكين قدره أن ينتظر حتى يملّه الإنتظار ، زعق بصوت يملؤه الصمت، الضحكات لا تظهر وقت الشفق، هجرتني إلى الأبد، لم يعد لها مكان في وطني، يسأل ويجيب نفسه كالمجانـين.. لا..أنـا الذي لم يعد في وطنه..كيف تريدون مني أن أضحك..وأنتم تعذبونني بتفهاتكم..،مزق شهادته الجامعية تمزيقاً عنيفاً، آخيراً كُتبَ لها أن تموت  موتاً أبدياً، لن تشكو  برودة الحائط مجدداً ، لن تتمايل مع كل نسمة ريح..رحمك الله إلى الأبد يا من علمتني أن أبدأ مما لم يبدأ، وأن أصمت عن لحظة الدهشة التي ينكشف فيها ما العدل وما الجور..  سرعان ما استيقظت ذاكرته من سبات الصراخ، يردد بتأسف..و أهلي و إن ضنوا علي كرام..
رشيد لم يُغمض له جفن،خرج نحو السوق صامداً لزمهرير يُكمش  ملامح الوجه ،ولـمطرٍ يجلد الذات،..قدره أن يحمل الصنديق..كالـ،.....ـحميـ...،..ررر